89شهر فى المنفى
محمود حسنى العرابي أدب عربيلم أَطلُب إلى أولئك الناس الذين طَلَبوا إليَّ أن أَصبِرَ وأُكافِحَ أن يَتَحمَّلوا عَنِّي بعضَ أَعباءِ الحياة، ولَو أَنَّ واجِبَ الصَّداقَةِ وأَوامِرَ الدِّينِ الحَنيفِ تَطلُب ذلك. غير أنِّي رَجَوتُ منهم أن يُساعِدوني بِرَأيِهِم في وَحشَتي، فَيدُلُّوني على نَوعٍ من السِّلاحِ الَّذي يَجِبُ أن أَحمِلَه، ويُعيِّنوا لي العَدُوَّ الَّذي أُقاتِلُه. فإنِّي لَرَجُلٌ لَه مَعِدَةٌ كَمِعِدِهم تَطلُبُ الطَّعامَ في مواعيدَ مُنتَظِمَة، وله جِلدٌ كجُلودِهم لا بُدَّ له من الحِمايَة... لا، لا، سَنَسمَعُ منهم، ولن نُطيعَهم، كُلُّ هذا سُخفٌ، هؤلاء النَّاسُ إنَّما يَهزَؤون منِّي، إنَّ كَنزَ صَبري الغَنيَّ قَد نَضبَ ولم يَبقَ في قَوسِ التَّجَلُّدِ مَنَعٌ، ولا في رُقعَتِه مُرتَقَع. فَلأَتْرُكْ برلين للبرلينيِّين وللأجانِبِ من أَكَلَةِ النَّار والزُّجاجِ. أنا أَطلُبُ من برلين المستحيلَ، ولَكِنْ أَينَ المفَرُّ؟ إلى آكِلي لُحومِ البَشَرِ؟ إلى نِيام نِيام؟ إلى مَملَكَةِ الباب؟ أنا لا أَطلُبُ إلَّا عَمَلًا. أَحصُلُ من وَرائِه على سَقفٍ فوقَ رَأسي وخُبْزٍ وكِتابٍ. أَصاحِبُ مَطامِعَ أنا؟! لا... فَلَم يَبْقَ أمامي إلَّا الرَّحيلُ أَو انتِظارُ وُقوعِ مُعجِزَة.
12عام فى السجون
محمود طاهر العربي أدب عربيعندما قُتِلَ بُطرُس غالي بِيَدِ إبراهيم الورداني عام 1910 أنشَأَت الحُكومَةُ ما أَسمَته "المكتبَ السِّياسيَّ"، وعَيَّنَت ﭼورچ بِك فلبيدس رئيسًا له، وَضَعَت تَحتَ تَصرُّفِه أَموالًا طائِلَةً يَصرِفُها بِلا رَقابَةٍ، ولا مُراجَعَةٍ، لَكِنَّ المكتبَ ظَلَّ يَعمَلُ سَنَتَيْن مُتَوالِيَتَيْن دونَ أَنْ يَكونَ لَهُ أَثَرٌ فِعليٌّ أو نَتيجَةٌ ظاهِرَةٌ؛ فَدَاخَلَ فلبيدس شَيءٌ من الخَوفِ في تَفكيرِ الحُكومَةِ في إِلغائِهِ؛ فَكانَ أَنْ سَوَّلَت لَه نَفسُه أَن يَخلقَ شَيئًا جَسيمًا تَهتَزُّ لَهُ مِصرُ، ولَم يَلْقَ أمامَه بِطَبيعَةِ الحَالِ غَيرَ الحِزبِ الوَطنيِّ ورِجالِه؛ لاعْتِقادِه أَنَّ في مَقدورِه استِغلالَ ما هو مَعروفٌ عن هذا الحِزبِ القَويِّ النُّفوذ -إذ ذاكَ- من كراهَةِ الاحتلالِ البريطانيِّ، ومُناهَضَتِه بِكافَّةِ الطُّرُقِ السِّلميَّة؛ فَقرَّرَ أن يُلقي في رَوْعِ أُولي الأَمرِ أَنَّ الحِزبَ قد دَبَّرَ مُؤامَرَةً لاغتيالِ أَكبَرِ الرِّجالِ في مِصرَ، وهَكذا تَتَوطَّدُ دَعائِمُ سُلطَةِ فلبيدس، ويَتَّسِعُ سُلطانُ نُفوذِه، وكان عَلى إثْرِ تِلكَ المؤامَرَةِ المزعومَةِ أَنْ أُلقِي بالعَديدِ في السُّجونِ لمدَّةِ 12 عامًا، كان أَحَدُهم هو محمود طاهر العربي.
مذكرات محكوم عليه بالإعدام
فيكتور هوجو أدب مترجم كلاسيكينُشِرَت لأوَّل مرَّة عام 1829، صاحَبَتها صَدمةُ ومَوجَةٌ من السُّخطِ في الرَّأي العامِّ الفرنسيِّ. روايةٌ عميقة ومُؤثِّرة، وعَملٌ حَيويٌّ عن رَجُلٍ تَمَّ إقصاؤه من قِبَل المجتَمَعِ، وحُكِمَ عليه بالإِعدامِ، يَستَيقِظُ كُلَّ صباحٍ وهو يَعلَمُ أنَّ هذا اليَومَ قد يكون الأَخيرَ. يَقضي ساعاتِه في سَردِ حَياتِه والوَقتِ قَبلَ سِجنِه، لكِنْ مع مُرورِ السَّاعات يَعلَمُ أنَّه عاجِزٌ عن تغيير مَصيرِه. كَتَبَ هوجو هذه الروايَةَ تَعبيرًا عن مَشاعِرِه بضرورَةِ إلغاءِ عُقوبَةِ الإِعدام. "حاوَلتُ نِسيانَ الحاضِرِ في الماضي، وبَينَما كُنتُ أحلُمُ قَفَزَت ذِكرياتُ طُفولَتي وصِبايَ وشَبابي إلى ذِهني، إحداهُما إثْرَ الأُخرَى، رَقيقَة، وادِعَة، ضاحِكَةً كجُزُرٍ من الأَزهارِ في خليجٍ من الآثامِ والشُّرورِ والأفكار المضطَرِبَة المائِجَةِ في رأسي.
رسائلُ إلى مُعذِّبي الحبُّ، الثَّورة، والسِّجن في إيران
هوشنغ أسَدي أدب مترجم حديث«يومًا ما جاؤوا ليأخذوا الخُميني من منزل أحد رجال الأعمال الأثرياء في شمال طهران، لإرساله إلى المنفى. أمَّا أنا، الذي انتهى بي الأمر بأن صِرتُ سجينًا في نظامه، وتعرَّضتُ لأبشع أنواع التعذيب على يد أنصاره، فقد أتيتُ منزله يومها وقبَّلتُ يده، دون حتى أن أعرف مَن هو»، يكتب الصحفي الإيراني «هوشنغ أسدي» حكايات لا تُنسى، عن الأمل والألم في قصته، التي امتدت بين انتصار الثورة الإيرانية التي ساندها وآمن بها، ووقوعه ضحية لها مسجوناً في زنازينها