إن هذا الموضوع ليس من الموضوعات الجميلة بالتأكيد؛ فأحيانًا كنت أشعر بأنني مثل "شخصية الآلة" في فيلم "بلاد رانر" عندما تقول: "لقد رأيت أشياء لا تستطيعون أن تتخيَّلوها أنتم، أيُّها البشر...". والحقيقة أن هذه الأشياء رآها الكثيرون منَّا، ولكن لا يتذكَّرها إلَّا القليلون. وبقدر ما كانت الحرب تدور ضد الإرهاب، وبقدر ما كان يزداد الانخراط العسكري الغربي في العراق وأفغانستان؛ بقدر ما كانت تتلاشى الدوافعُ التي كانت وراء بعض القرارات. وعلاوة على ذلك، خلال أي حرب استنزاف، فإن الفصيل الذي يتمتَّع بذاكرة قوية يصبح في وضع أفضل؛ لأنه يحتفظ بصلابة رغبته الأولية في النصر.
تَكتَسِبُ مسألَةُ الدولة في الوقت الحاضر أهميَّةً خاصَّة، سواء من الناحية النظرية أو من ناحية السياسة العملية. فقد شدَّت الحرب الإمبريالية وعجَّلت بدرجةٍ هائلة عَمليَّة تحوُّل الرأسمالية الاحتكارية إلى رأسماليَّةِ الدولة الاحتكارية. وتزداد فظاعة الظُّلم الذي تعانيه الجماهير العامِلَةُ من قِبَل الدولة، تلك الدولة التي تلتحم أكثرَ فأكثر باتحادات الرأسماليين ذات الحَوْل والطَّوْل، وتتحوَّل المناطق الداخلية في البلدان المُتقدِّمة بالنسبة إلى العُمَّال إلى سجونٍ عسكرية للأشغال الشاقَّة.
بين دفَّتَيْ هذا الكتاب 47 حوارًا مع شخصيَّاتٍ عربيَّة وعالَميَّة أثرَت الحياةَ الفِكريَّةَ على الصَّعيدَيْن: العربي والعالَمي، وهي حواراتٌ أدارها المؤلِّفُ بمستوًى من العُمقِ والمهارَةِ، جَعَلها -بحَقٍّ- بمثابة مَلفٍّ موجَزٍ ومُكثَّف عن هؤلاء المفكِّرين؛ الأمر الَّذي يجعل هذا الكِتابَ لا غِنى عنه لقارِئٍ يَتَطلَّع لمعرفَةِ الأفكار الرئيسيَّة والتَّوجُّهات الأساسيَّة لهؤلاء الأعلام، وبالذَّات عندما لا يكون قد تَمكَّن من قراءة هذه الأفكار والتَّوجُّهات من قَبل، وهو أيضًا كتابٌ لا غِنى عنه لِمَن قرأ لهؤلاء المُفكِّرين أو عنهم؛ لأن الحوارات المنشورَةَ هنا كشَفَت عن جوانِبَ من تَوَجُّهات هذه الشَّخصيَّات البارزة، لم يَكُن التَّعرُّف عليها مُمكِنًا أو سَهلًا، إلَّا من خلال مُحاوِرٍ أفنى عُمرَه في الاطِّلاعِ العَميق على فِكر ومواقِفِ هذه الرُّموز؛ ومن ثَمَّ فقد نَجَحَ في كَشْفِ جوانِبَ من رسالَتِهم الفِكريَّة، وألقى عليها الضَّوءَ؛ فأنار بذلك لِلقارِئِ واسِعِ الاطِّلاع مَنظورًا جديدًا في معرفة هؤلاء المفكِّرين.
صلاح عيسى ليس مجرد أديب أو مؤرخ فحسب، بل المفكر الفذ الذي نجح خلال أعماله التي تنبض بالحياة حتى الآن، في بناء جسر تقدُّمي حداثي بين جيلي الأربعينات والسبعينات" ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ حين نقول إن اعتماد البرجوازية المصرية على المفاوَضَة كأسلوبٍ وحيدٍ لحَلِّ تناقُضِها مع الإمبريالية، كان قضاءً أكثرَ ممَّا كان اختيارًا انتقائيًّا؛ فنحن لا نفعل أكثرَ من أنْ نَصِفَ ظاهرةً لا يَعْمَى عنها إلا هؤلاء الذين يُصرُّون على استمرار المراهنة على وطنيَّة البرجوازية، كأنهم يواجهون إحساسًا داخليًّا عميقًا بالعار؛ لأنَّهم مَنحوا يومًا بركاتِ الوطنيَّة -بشكلٍ مُطلَقٍ ودون تَحفُّظاتٍ- للبرجوازيَّة العربية عمومًا -والمصريَّة بوجهٍ أخصَّ- برغم أن واقع الحال كان أمامهم ناطقًا بأن البرجوازية العربية قد عَجَزَت دائمًا عن أن تفلت من قضاء المفاوضة الذي يطاردها، أو أن تتمرَّد على قدر التبعية الذي قَعَدَ بها على حِجْرِ الإمبريالية، ترضع لَبَنَها حتى شاب شَعْرُها، وملأَت التجاعيدُ صفحةَ وجهِها!
خلَّفَت ثورة يناير وراءها عالمًا أمسى قديمًا في وعي كل المعاصرين، يُشار إليه بالماضي أو "زمان"، حتى لو كان المقصود عَقدًا واحدًا مضى، وعلى الرغم من كونه قديمًا لم نكتشف بعد كل عناصره ولا تركيباته كي نفهم لحظتنا المعاصرة التي هي نتاج تفاعُلاته هو، أصبح المصريون بعد يناير يطلق عليهم أنهم شعب بلا كتالوج لأنهم أصبحوا شعبًا موجودًا من الأصل، يتحرَّك بشكل مَرئيٍّ بعدما عبَّر عن وجوده، لم يعد صُوَرًا مُخلَّقة في دراما مُوجَّهة، انهارت كل الصورة النَّمطيَّة القديمة رغمًا عن الجميع، وأصبح لزامًا على الجميع بذل الجهد اللازم لفهم الطبيعة المادية للمجتمع الذي يعيشون فيه، وجوهر صراعاته ودوافعها. لم تَعُد من الممكن صياغة مصر كعالم مُتخيَّل من عناصر بسيطة؛ فالبلد في تغيُّر مستمر، وكنس التراب ومُراكَمَتُه تحت سجاجيد الواقع لن يُفضي إلى رؤية أي أفقٍ منبسط، بل سيجعل المسير أكثر بُطئًا وقلقًا داخل منعرجات أكثر خطورة وصراعية؛ فالمجتمعات لا تسكن أبدًا، يمكن أن تخفض صوتها، لكنها لن تتوقَّف عن الهمس والكلام، وفي الأثناء ستتشكَّل لغاتٌ جديدة، تتطوَّر وتتمايز وتصبح معها العوالم المتنوِّعة أكثر عُزلَة وتناثرًا، ولن تستطيع خطابات الصور النمطية التافهة احتواءها بحيث يسير كل شيء بالتوازي حتى تأتي لحظة تتقاطع فيها المتوازيات، فتصطدم العوالم بعضها ببعض؛ وحينها لن يمكن إخفاء صوت الانفجار.
الحضارة الإنسانية على بُعد خطوات من الانتشار خارجَ كوكب الأرض. أحدث ما توصَّل إليه العِلم والتكنولوچيا في مجال الروبوتات والنانوتكنولوچي والكيمياء الحيوية، يمكن أن يسمح لنا بأن نَعمُر المريخ، ونبني فوقه مُدُنًا مأهولة في أَجَلٍ قريب. التاريخ يكشف عن أن الثورات العلمية تأتي عبر موجات، ففي القرن التاسع عشر كانت الموجة الأولى التي مكَّنَت المهندسين من إنتاج المحرِّك البخاري الذي قاد العالم إلى الثورة الصناعية التي خلَّصَت الإنسانية من لعنة الجهل والعمل اليدوي المضني، وأخذت بيده إلى عصر الآلة. وفي القرن العشرين كانت الموجة الثانية التي تمكَّن فيها عُلماءُ الفيزياء من الدخول بنا إلى عصر الكهرباء التي أنارت مُدُنَنا وقُرانا، ومَكَّنَتنا من اختراع الدينامو والراديو والتليفزيون والرادار، ثم وصلت هذه الموجةُ ذُروَتَها بالصعود إلى القمر. وفي القرن الحادي والعشرين تمثَّلَت الموجة العِلميَّة الثالثة متمثِّلة في التكنولوچيا العالية التي جعلت السوبر كمبيوتر والإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة تتغلغل في كل دقائق حياتنا. وفي هذا الكتاب يحيط المؤلِّف بالتكنولوچيَّات التي ستأخذنا إلى آفاق أبعد، حيث نستكشف الكواكب والنجوم.
"يقوم بليخانوف في هذا الكتاب بالرَّدِّ على ما أَطلق عليهم المثاليِّين، والاشتراكيِّين الانتهازيِّين، الذين قاموا بتفسير التاريخ بمناهِجَ مادِّيَّة، مُنكِرين التفسير المادِّيَّ الجدلي الماركسي الذي يتبنَّاه ويدافع عنه؛ فهو يقدِّم في هذا الكتاب ردًّا قاطِعًا على آراء المِثاليِّين الألمان، والمادِّيِّين الفرنسيِّين، ويعتبر أن أحدًا منهم لم يقترب مِمَّا يعتبره الماركسيُّون التفسيرَ المادِّيَّ للتاريخ، وإنما ترك الأمر في خانات الرأي والطبيعة. يضع بليخانوف منهجيَّةً للرَّدِّ على ناقِدي المادية التاريخية، بدءًا من مفهوم التطوُّر وعالم الأفكار المثالية، صعودًا إلى الثورة الصناعية وتصحيح المفاهيم الهيجليَّة، ويَختَتِم كتابَه بوضعِه شرحًا مُفسِّرًا للماركسية ودورها في تفسير التاريخ بشكل عِلميٍّ. يُعَدُّ الكتاب بالنسبة إلى "لينين" أحد الركائز في الفكر الشيوعي والماركسية."
"Nihil timendum est"..."لا تَخشَ شيئًا" "كُلُّنا خائِفون بشدَّة: من اﻹساءة للناس، ومن إثارة النزاع، ومن الخروج عن الجَمع، ومن اتِّخاذِ موقفٍ جَريء. على مَدار آلافِ السِّنين، تَطوَّرَت عَلاقَتُنا بهذا اﻹحساسِ من مُجرَّد خَوفٍ بِدائيٍّ من الطَّبيعَة إلى قَلقٍ عامٍّ حِيالَ المستَقبَل، ومنه إلى مَوقِفٍ خوَّافٍ يُهَيمِن عَلَينا، وقد نودينا باعتِبارِنا بالِغين عاقِلين مُنتِجين كي نَتخَطَّى أخيرًا هذا الاتِّجاهَ المُنحَدِر، ونَنطَلِق مُتجاوِزين مَخاوِفَنا". في تعاوُنٍ فَريدٍ مِن نَوعِه، يُقرِّر كُلٌّ مِن الكاتِبِ الشَّهير "روبرت جرين" (صاحِب كتاب "قوانين القُوَّة الثماني والأربعون"، ومُغنِّي الرَّاب الأمريكي "فيفتي سِنت" أن يُوَحِّدَا جهودهما، مُصطَحِبَيْن إيَّانا بين دروبٍ شَتَّى، بين شوارع جَنوب كوينز الخَطِرَة، وكواليسِ صِناعَةِ الموسيقى، ورحلاتٍ عَديدَة لا تَنقَطِع عبرَ التَّاريخ، وتأمُّلات لَبيبَةٍ في الطَّبيعة البَشريَّة، وذلك في سبيل الاشتِباكِ مع أقدَمِ شُعورٍ عَرِفَه الإنسانُ مُنذُ أيَّامِه الأولى على الأَرض: الخَوف."
"هل يُدَعِّم الدِّينُ الخَيالاتِ والأَوهامَ الضَّروريَّةَ للحياة؟ أَمْ أَنَّ الاحتياجَ إليها هو الَّذي يُؤدِّي إلى ظاهِرَة "ازدواجيَّة الدِّين"؟ يُقدِّم عالِمُ المِصريَّاتِ البارِزُ "يان أسمان" في هذا الكِتابِ الموسوعيِّ الهامِّ نَظرَةً عامَّةً، ولكِنَّها عَميقَةٌ على مَوضوعِ "ازدواجِيَّة الدِّين"، حيثُ يَبدَأ رحلَتَه بالعَودَةِ إلى لاهوت قُدَماء المصريِّين، الَّذين اتَّسَمَ الدِّينُ عندَهم بالازْدواجِيَّة بين دينِ النُّخبَة وبَينَ دينِ الشَّعب، وهو التَّصوُّر الَّذي أَثَّر على الأَديانِ القَديمَةِ بشَكلٍ عامٍّ، حيثُ كان لها دائِمًا: وَجهٌ خارجيٌّ (وَجهُ الدِّينِ الرَّسميِّ) ووَجهٌ داخِليٌّ (الَّذي يَشمَلُ الطَّبيعةَ الغامِضَةَ للتَّجرِبَة الدِّينيَّة الخاصَّة). ثم يُكمِلُ "أسمان" رِحلَتَه في التَّاريخ ويَنقلُنا إلى العَصرِ الحديث الَّذي شَهِدَ ولادَةَ فِكرَةِ ازْدُواجِيَّة الدِّين بينَ دينِ العَقلِ (دين الفلاسِفَة) من جِهَةٍ، ودينِ الوَحْيِ (دينِ الآباء) من جِهةٍ أُخرى. اكتَسبَ هذا المفهومُ أَهمِّيَّةً جديدةً في عصر التَّنويرِ عِندَما تَمَّ نَقلُ البنيَةِ المزدوَجَةِ للدِّين إلى الفَرد؛ مِمَّا يَجعَلُ الإنسانَ مَدينًا الآنَ بِوَلائِه ليسَ فَقَط لِدِينِه الأَصليِّ، ولَكِنْ أيضًا لـ "دينِ البَشَريَّة" العالَمِيِّ."
تَرجِعُ أَهمِّيَّةُ هذا الكِتابِ إلى كَونِه إضافَةً نَظريَّةً لا يستطيع أَيُّ مُشتَغِلٍ بعِلمِ النَّفس أَنْ يُهمِلَها، ولَكِنْ -للأسف- لا نَجِدُ لها ذِكرًا في كُتُبِ عِلمِ النَّفسِ الأمريكيَّة والبريطانيَّة؛ وذَلِكَ لكَراهِيَة أصحابِ عِلمِ النَّفسِ الأمريكيِّ لِوجهاتِ النَّظَرِ الَّتي تَستَنِدُ إلى الفَلسَفةِ المادِّيَّة الجَدَليَّة؛ لأسبابٍ لا تَخْفَى على فِطنَةِ القارئ. وقد اعتَمَدَ المشتَغِلون بعِلمِ النَّفس في البِلادِ العَربيَّة على النَّقلِ من المصادِرِ الإنجليزيَّة والأمريكيَّة نقلًا مُباشِرًا، بحَيثُ يُمكِنُ القَولُ إِنَّ ما يوجَدُ من عِلمِ نَفسِ في البِلادِ العَربيَّة هو "عِلمُ نَفسِ الخَواجات"، أيْ: عِلمُ النَّفسِ الَّذي يتناوَلُ سُلوكَ ومُعتَقَداتِ ومَشاكِلَ المُجتمعاتِ الغربيَّة، والإنسانِ الغَربيِّ، والذي لا يَنطَبِقُ علينا؛ نَحنُ أبناءَ الوَطَنِ العَربيِّ، إلَّا إذا كان هُناكَ ما يُسمَّى بالطَّبيعَة الإنسانيَّة أو النَّفسيَّة الواحِدَة للبَشَرِ جَميعًا، وهو افتراضٌ لم تَثبُت صِحَّتُه؛ فمُعظَمُ المُنَظِّرين في مجال الشَّخصيَّة يَعتَبِرون أنَّ الإنسانَ نِتاجُ بيئَتِه، وأنَّ عُنصُرَ الثَّقافة والتَّوصِيَة له أكبرُ الأَثَرِ في تَكوينِ نَفسيَّة الإنسانِ وعَقلِه.
وَغالِبُ ظَنِّي أَنَّ الحُكمَ عَلى فرويد -وكَذَلِكَ على الَّذي ابْتَكَرَهُ حَتَّى الآن- هُو في جانِبِ المُحافَظَة؛ فَغالِبًا ما اعتُبِرَ فرويد، إلى جانِبِ فير ودوركايم وباريتو واشبنجر، كأَحَدِ عِظامِ المُعادينَ لليُوتوبيا في أوائِلِ القَرنِ العِشرين، بَلْ واعتُبِرَ الشَّخصَ الَّذي وَجَّهَ الضَّربَةَ القاضِيَةَ للمَطامِحِ الثَّوريَّةِ للماركِسيَّة. ومَعَ ذَلِكَ تَبقَى شُبهَةٌ في أنَّ فرويد كان يَسعَى إلى شَيءٍ لَهُ خَطَرُه، وأَنَّ التَّحليلَ النَّفسيَّ -رَغمَ تَشاؤُمِه التَّاريخِيِّ الواضِحِ- يَرفُضُ أَنْ يُوائِمَ نَفسَه في سَلامٍ مَعَ النِّظامِ السِّياسيِّ والجِنسيِّ القائِمِ. والشَّيءُ الأَكيدُ أَنَّ كَثيرا مِن المُحافِظين الأُوروبيِّين والأمريكيِّين قد وَجَدوا فرويد مُثيرًا لِقَلَقٍ عَظيمٍ، بَلْ لَقَد وَجَدوه لا يَقِلُّ خُطورَةً عَن ماركس نَفسِه. وتَقتَصِرُ هَذِه الدِّراسَةُ نَفسُها عَلى مَجموعَةٍ مِن المُثقَّفين الأُوروبيِّين الَّذين اكتَشَفوا القُدرَةَ الرَّاديكاليَّةَ لِنَظريَّةِ التَّحليلِ النَّفسيِّ، فَلَم يَكونوا عَلَى استِعدادٍ لِقُبولِ ما تَراهُ الأَغلَبِيَّةُ مِن أَنَّ مَشروعَ فرويد العَظيمَ يَتضَمَّنُ رَجعِيَّةً سِياسيَّةً ورَفضًا لِلغرائِزِ، بَل وَجَدوا -بَدَلًا من ذَلِكَ- مَبادِئَ فَلسفَةٍ سِياسيَّةٍ وجِنسيَّةٍ راديكاليَّة، تَسعى إلى تَقويضِ الثَّقافَةِ القائِمَةِ. وكانت نَتائِجُ جُهودِهم هِيَ تَقديمُ تَصحيحٍ للتَّفسيرِ السَّائِدِ لِفرويد باعتِبارِهِ مُحافِظًا. فَفي كِتاباتِ فيهليم رايش وجيزا روهايم وهربرت ماركوز يَبزُغُ فرويد مُهَندِسًا لِتَنظيمٍ أَكثرَ شَهَويَّةً وأَكثرَ إِنسانِيَّةً لِحَياةِ الإِنسانِ الجَماعِيَّة، كما يَبدو وارِثًا للتَّيَّار النَّقديِّ في الفِكْرِ الأُوروبيِّ الاجتِماعِيِّ، بَل ومُبَشِّرًا على نَمَطِ ماركس.
يَكفي قَليلٌ من النَّظَرِ للعِلْمِ بأنَّ مِن الممتَنِعِ أَنْ تَنموَ الفَلسَفةُ بِذاتِها وحدها. من البَديهيِّ أنَّ جميعَ عَناصِرِالعَقلِ يَجِبُ أَن تَبلُغَ نَماءَها قَبلَ التَّأَمُّلِ؛ لأنَّ التَّأمُّلَ المرَتَّبَ عَلى نَمَطٍ مُعيَّنٍ لا يَظهَرُ إلَّا مُتَأخِّرًا وبَعدَ سائِرِ الملَكاتِ الأُخرى. ولَيس بي حاجَةٌ إِلى التَّبَسُّطِ في بَيانِ هَذِهِ الحَقيقَةِ المشاهَدَةِ في الأُمَمِ وفي الأَفرادِ عَلى السَّواءِ، وأَقتَصِرُ على أَنْ أُقَرِّرَ أَنَّ مَجرَى الأُمور في آسيا الصُّغرى لم يَكُن مُختَلِفًا عنه في غَيرِها؛ فإنَّ الفَلسَفَةَ على هَذِه الأَرضِ المخْصِبَةِ لم تَكُن نَبتًا مُنفَرِدًا ولا ثَمَرةً غيرَ مُنتَظَرَة. وقليلٌ من الكَلماتِ يَكفي في التَّذكير بأنَّها كانَت هي المنطَقَة المهيَّأَةَ لِهذا الإنتاجِ الشَّريفِ. إكسينوفان لَمَّا رأى ذاتَ يَومٍ كَلبًا يَضرِبُه بالسَّوْطِ صاحِبُه أَخَذَته الشَّفَقَةُ بِهَذا الكائِنِ الشَّقِيِّ، فقالَ: لا تَضرِبْ... تِلكَ هِيَ روحُ صَديقٍ تَعَرَّفتُه بِسَماعِ صراخِه.
هَذا أَكثَرُ كُتُبِ دولوز شَخصِيَّةً، وأَقرَبُها مَنالًا، يُتيحُ أَفضَلَ تَقديمٍ لِفِكْرِه، لا كَعَرْضٍ مَدرَسِيٍّ، بَل بالشَّكلِ الَّذي يَتَّفِقُ مع بِنيَةِ هذا الفِكْرِ. لَيسَ الكِتابُ "حوارًا" أو "مُحادَثَةً"، رَغمَ أَنَّ بِهِ عَناصِرَ مِنْ كِلَيْهِما، فَقَد وَجَدَ دولوز صيغَةَ السُّؤالِ والجَوابِ خانِقَةً، وأَرادَ شَكلًا يُتيحُ "مُحاوَرَةً" دونَ فَرْضِ تَرتيبٍ خارِجِيٍّ، قَسْرِيٍّ عَلَيها. إِنَّه يَنمو في اتِّجاهاتٍ عَديدَةٍ: في الفَلسَفَةِ، والأَدَبِ، والتَّحليلِ النَّفسيِّ، والسِّياسَة- دون مَبدَأٍ تَنظيميٍّ شامِلٍ. إنَّهُ -بمُصطَلَحاتِ دولوز- الكِتابُ بِوَصفِهِ آلَةَ حَربٍ، بِوَصفِهِ "ريزومة". تَغيبُ هُنا مَراتِبِيَّةِ الجِذرِ، والجِذْعِ، والغُصنِ، لِتُطالِعَنا كَثرَةٌ مِنَ البَراعِمِ المتَشابِكَةِ فيما بَينَها تَنبُتُ في كُلِّ الاتِّجاهاتِ. إنَّه، مِن ثَمَّ، شَرحٌ، وكَذَلِكَ تَمثيلٌ لـ "التَّعَدُّديَّةِ الدُّولوزيَّة". مَدخَلٌ مُهِمٌّ لأَحَدِ أَهَمِّ وأَخصَبِ مُفَكِّري القَرنِ العِشرينَ، يُقَدِّمُ استِبْصاراتٍ عَميقَةً وتَطبيقًا حَيًّا لمُمارَسَةِ الفَلسَفَةِ باعتِبارِها عِلمَ إبْداعِ المفاهيمِ. يَستَعرِضُ فيه خَلفِيَّاتِه الفَلسَفيَّةَ، وتَطَوُّرَه، والتِّيماتِ المحوَريَّةَ لِعَمَلِه، وَتعاوُنَهُ الطَّويلَ مَعَ صَديقِهِ فيليكس جاتاري، الَّذي كَتَبَ مَعَهُ بَعضًا مِنْ أَهَمِّ النُّصوصِ الفَلسَفِيَّةِ لِلقَرنِ العِشرين.
سِياحَةٌ مُمتِعَةٌ في عَقلِ وقَلبِ فَيلسوفِ الـﭘوپ، شاعِرِ الفَلاسِفَةِ. يُصارِحُنا عَن طُفولَتِه مِثلَمَا عَن شَيخوخَتِه: "الشَّيْخوخَةُ عَظيمَةٌ مَعَ ما يَكفي مِنَ النُّقودِ والقَليلِ مِنَ الصِّحَّةِ المتَبَقِّيَةِ... لَكِنَّها بَهجَةٌ خالِصَةٌ". عَنْ أساتِذَتِه، وتَأهيلِهِ، وفَلاسِفَتِه الأَثيرين. "لا يَحتاجُ المَرْءُ أَنْ يَكونَ فَيلَسوفًا كَيْ يَقرَأَ الفَلسَفَةَ"، وكَذَلِكَ عَنْ عَلاقَتِهِ بالأَدَبِ: "الشُّخوصُ الأَدَبيَّةُ العَظيمَةُ هُمْ مُفَكِّرونَ عِظامٌ"، والسِّينما والرَّسمِ والموسيقَى والعُلومِ. عَن الثَّوراتِ: "كُلُّ الثَّورَاتِ تَفشَلُ، الجَميعُ يَعرِفون ذَلِكَ،... ولَمْ يُوقِفْ ذَلِكَ النَّاسَ أَبَدًا أَو يَمنَعْهُم مِن أَنْ يَصيروا ثَوريِّين". عَن مايو 68: "مايو 68 كان الصَّيرورَةَ ـ ثَوريًّا، دونَ مُستَقبَلٍ ثَورِيٍّ". عَن الفَتراتِ الثَّرِيَّةِ والمُجْدِبَةِ: "لَيسَت حَقيقَةُ الفَقرِ هِيَ ما أَجِدُهُ مُزعِجًا، بَلْ وَقاحَةَ وَصَفاقَةَ النَّاسِ الَّذينَ يَقطُنونَ الفَتَراتِ المُجْدِبَةَ". عن عَلاقَتِه بالأَصدِقاءِ: "الصَّداقَةُ فَنٌّ فُكاهِيٌّ"، والحيوانات، بالمَرَضِ والشَّرابِ، بِالسَّفَرِ والرِّياضَةِ. عَن السُّلطَةِ: "كُلُّ سُلطَةٍ حَزينَةٌ، حَتَّى لَو بَدَا أَنَّ مَنْ يَملِكُونها مَسرورين بامتِلاكِها". عن المَسؤولِيَّةِ، أَوَّلًا وأَخيرًا. عَن حَفْزِ قُدراتِ الحَياةِ: "المَرءُ مَسؤولٌ تَمامًا عَن أَيِّ شَخصٍ تَمضي أُمورُه بِشَكلٍ سَيِّئٍ". قِراءَةٌ مُلهِمَةٌ لِمُفَكِّرٍ مَوسوعِيٍّ.
هذا الكِتابُ دِراسَةٌ في التَّاريخِ الأَمريكيِّ، وبِصِفَةٍ خاصَّةٍ: تاريخُ عَدَمِ العَدالَةِ الاقتِصاديَّةِ والاجتِماعِيَّة. وبَينَما يَقتَفي الكِتابُ تاريخَ فَجوَةِ الدَّخلِ والثَّروَةِ بَينَ الفُقَراءِ والأَغنياءِ، فإِنَّه يُرَكِّزُ على الأَسبابِ الَّتي أَدَّت إِلى عَودَةِ اتِّساعِ الفَجوَةِ الاقتِصادِيَّةِ والاجتِماعِيَةِ مُنذُ بِدايِةَ ثَمانينيَّاتِ القَرنِ العِشرين، بَعدَ أَنْ كانَت قَد انخَفَضَت بِشَكلٍ كَبيرٍ مُنذُ مُنتَصَفِ القَرنِ الماضي. ويَرَى مُؤلِّفُ الكِتابِ بول كروجمان -الحائِزُ على جائِزَةِ نوبل في الاقتِصادِ عامَ 2008- أنَّ السِّياساتِ الحُكومِيَّةَ -وخاصَّةً تَأسيسُ شَبكَةِ الحِمايَةِ الاجتماعِيَّةِ، أَو ما يُعرَفُ عُمومًا بسياساتِ "دَولَةِ الرَّفاهِ"- كانَ لَها الفَضلُ الأَكبَرُ في خَفضِ فَجوَةِ الدَّخْلِ والثَّروَةِ، مُنذُ ثَلاثينيَّاتِ القَرنِ العِشرينَ، وحَتَّى السَّبعينيَّات، ثُمَّ أَدَّت السِّياساتُ القائِمَةُ على العَودَةِ للهُجومِ عَلى هَذهِ السِّياساتِ إِلى اتِّساعِ هَذِهِ الفَجوَةِ مِن جَديد. ويُشيرُ الكاتِبُ إلى أَنَّ الانتِصاراتِ الانتِخابِيَّةَ الَّتي حَقَّقَتها الحَرَكَةُ قَد ارتَكَزَت على استِغلالِ مَشاعِرِ الاسْتِياءِ العِرْقِيَّةِ والثَّقافِيَّة، وكَذا استغِلالِ المخاوِفِ المتَعَلِّقَةِ بالأَمنِ القَوميِّ، وذَلِكَ عَلَى الرَّغمِ مِن عَدَمِ شَعبِيَّةِ سياساتِها الَّتي أَدَّت إلى تَركيزِ الثَّروَةِ في يَدِ الأغنِياءِ. ويَدعو الكاتِبُ قُبَيلَ انتِخاباتِ الرِّئاسَةِ عامَ 2008 إلى ضَرورَةِ تَبَنِّي الحِزبِ الدِّيمُقراطيِّ ما أَطلَقَ عَلَيهِ "الصَّفقَة الجَديدَةَ- الجَديدَة".
كانَ أَغلَبُ الفلاسِفَةِ المهمِّين تَقريبًا مِن جامِعي الكُتُبِ. عَلَى سَبيلِ المثالِ: أَفلاطون، وكان رَجُلًا غَنِيًّا، كانَ يَشتَري النُّصوصَ الفَلسَفِيَّةَ النَّادِرَة، حَتَّى أَنَّه كانَ يَدفَعُ أَحيانًا مَبالِغَ طائِلَةً. وكانَ أَرسطوطاليس نَفسُه يَمتَلِكُ مَكتَبَةً كامِلَةً أَهداها بَعدَ وَفاتِهِ لِتِلميذِه ثِيوفراسطوس. ولَكِنْ جَمْعُ الكُتُبِ يُعَدُّ فَقَط المَظهَرَ الخارِجِيَّ للتَّجميعِ الفَلسَفيِّ. الفلاسِفَةُ "جامِعو أَفكارٍ". حَتَّى القِراءَة، هَذا النَّشاطُ القَديمُ للفَلاسِفَةِ، هُو لَونٌ مِن أَلوانِ التَّجمِيعِ. وحَتَّى اليَومِ يُمكِنُ للمَرْءِ في اللُّغَةِ الأَلمانِيَّة أن يتحدث عن ال ( weinlese) قطف العنب وجمعه، وأحد أنواع القطف أو الجمع هذه تتمثل في قراءة أحد الكتب ؛ فالقارئ يتجول عبر السطور والصفحات مثلما يكون الحال في التجول عبر حقل العنب، وهو يجمع إبان تجواله الفواكه العقلية والروحية من هنا وهناك.
وهَذا النُّفورُ مِن التَّلامُسِ يُلازِمُنا حَتَّى وَنَحنُ بَينَ النَّاسِ، فَقَد أَمْلَت عَلَينا هَذِهِ الرَّهبَةُ أُسلوبَ حَرَكَتِنا في الطَّريقِ بَينَ كَثيرٍ مِنَ النَّاسِ، وكَذَلِكَ في المطاعِمِ والقِطاراتِ والحافِلاتِ. حَتَّى إذا اقتَرَبنا كَثيرًا مِن آخَرين، وكانَ بِوُسعِنا تَأَمُّلُهم ومُعايَنَتُهم بِدِقَّةٍ فَإنَّنا نَتَفادى أَيَّ احتِكاكٍ بِهِم قَدْرَ الإِمكانِ، فإذا ما فَعَلنا ذَلِكَ يَكونُ هُناكَ شَيءٌ ما قَد أَثارَ إعْجابَنا؛ فَنُبادِرُ بالاقْتِرابِ مِنهُم. أَمَّا الاعْتِذارُ السَّريعُ المُعَبِّرُ عَن احتِكاكٍ غَيرِ مُتعَمَّدٍ، والقَلَقُ انتِظارًا لِذَلِكَ، وَرَدُّ الفِعلِ الحادِّ الَّذي يَكونُ جَسَديًّا أحْيانًا -حَتَّى لَو لَم يَحدُث ذَلِكَ- والنُّفورُ والكَراهِيَةُ تِجاهَ مَن ارتَكَبَ ذَلِكَ، حَتَّى مَعَ الشَّكِّ أَنَّه ارتَكَبَ ذَلِكَ- فَإنَّ هَذهِ السِّلسِلَةَ الكامِلَةَ مِن رُدودِ الفِعلِ النَّفسِيَّةِ تِجاهَ مُلامَسَةِ الغَريبِ في حالاتِها المتَقَلِّبَةِ المتَطَرِّفَةِ المستَفِزَّةِ تُثبِتُ أَنَّ الأَمرَ هُنا يَدورُ حَولَ شَيءٍ عَميقٍ لِلغايَةِ، ومُتيَقِّظٍ، ومُرْبِكٍ دائِمًا: أَنَّه شَيءٌ يُلازِمُ المرءَ أَبَدًا إذا ما أقامَ حُدودًا حَولَ نَفسِه. وهَذا النَّوعُ مِن الرَّهبَةِ يُسَبِّبُ الشُّعورَ بالاضطِرابِ حَتَّى أَثناءَ النَّومِ، حينَما يَكونُ المرءُ غَيرَ قادِرٍ عَلى الدِّفاعِ عَنْ نَفسِه.
يَكشِفُ هَذا الكِتابُ عَن فِكْرِ تَيَّارٍ رَئيسيٍّ مِن مُفَكِّري الغَربِ، مِن غَيرِ ذَوي الأُصولِ الأُوروبيَّةِ، فيما يَتَعَلَّقُ بالعُنصُريَّةِ المُتَأَصِّلَةِ في الثَّقافَةِ الأُوروبيَّةِ، الَّتي تُساهِمُ في مُفاقَمَةِ ما يَصِفُه وارد تِشرشِل بـ "الحالَةِ المرَضِيَّةِ" لِمَا أَصبَحَ يُعرَفُ بالحَرَكَةِ السِّلْمِيَّةِ، والَّتي تَقِفُ وَراءَ المواقِفِ الثَّابِتَةِ المستَمِرَّةِ الَّتي تَتَّخِذُها "المُعارَضَةُ" الأُوروبيَّة / الأَمريكِيَّةُ "البَيضاءُ"، فَيَفضَحُ نِفاقَ ما يُعرَفُ باليَسارِ والقُوَى التَّقَدُّمِيَّةِ في الغَربِ عُمومًا، وفي أَمريكا خُصوصًا. وهُوَ أَمْرٌ يَجِبُ أَنْ تَعِيَهُ بُلدانُ وشُعوبُ العالَمِ الثَّالِث -ومِصرُ والمصريُّون مِن بَينِهِم- في كِفاحِهِم ضِدَّ الاستِعمارِ (الَّذي كان وما زالَ أُوروبيًّا بالتَّحديدِ) في ثَوبِه "الجَديدِ"، وأَشكالِ حُروبِهِ الجَديدَةِ مِنَ النَّوعِ الثَّالِثِ والرَّابِعِ، وماذا يَجِبُ أَنْ نَتَوَقَّعَ (أو لا نَتَوَقَّع) مِمَّا يُطلَقُ عَلَيهِ مُعارَضَةٌ أُوروبِيَّةٌ فيما يَتَعَلَّقُ بِمَواقِفِها المُتَراخِيَةِ المُتَواطِئَةِ مَعَ حُكومَاتِها مِنْ جِهَةٍ، ونَظرَتِها العُنصُرِيَّةِ المُتَعالِيَةِ تِجاهَ شُعوبِنا "في العالَمِ الثَّالِثِ" مِنْ جِهَةٍ أُخرَى.
دَعونا نُواجِه الأَمرَ. الفيسبوك مُمتِعٌ وفاتِنٌ، مِن ثَمَّ سُرعانَ ما يُدمِنُه الإنسانُ. مِن أَحَدِ أَسبابِ استِمتاعِنا بِهِ أَنَّهُ يُغَذِّي الأنا لَدَينا. "لَقَد مَرَرنا جَميعًا بِهَذِه الحالَةِ أَو تِلكَ مِن النَّرجسيَّةِ الَّتي غَذَّاها الفيسبوك باقتِدارٍ؛ لأنَّكَ -بِبَساطَةٍ- لَدَيكَ مَجالٌ واسِعٌ تَتَحكَّمُ فيه بـ «كَيفِيَّةِ إظهارِ نَفسِكَ»، ومتى، وبِأَيِّ خِطابٍ؛ بِما يَجعَلُنا نَستَحضِرُ صُورَةَ نيتشه العَدَميَّة عِندَما يُقَدِّمُ لَنا في «العِلْم المَرِح» رَجُلًا مَجنونًا يُعلِنُ مَوتَ الله، مُتسائِلًا: «أَلَا تَرانا نَتَحَرَّكُ بَعيدًا عَن كُلِّ الشُّموسِ؟ أَلَا تَرانا نَغرَقُ دونَ تَوقُّفٍ: خَلفًا، وجَنبًا، وأَمامًا، في جميع الاتجاهات؟"»، هذا –تَحديدًا- ما نَشعُرُ بِه عِندَما نَتَسَكَّعُ مَعَ الفيسبوك، مِثلَما أَوضَحَ أَحَدُ مُؤَلِّفي الكِتاب. نَغرَقُ بِحالَةٍ مِن التِّيهِ عَبرَ خُيوطٍ مِنَ التَّعليقاتِ، وثُقوبٍ مِنَ النَّصوصِ التَّشَعُّبِيَّة. فَسُرعانَ ما نَنكَمِشُ «مِثلَ طِفلٍ يَشعُرُ بالدُّوارِ، هَبَطَ مِنْ فَوْرِه مِن عَلَى لُعبَةِ الأُرجوحَةِ الدَّوَّارَةِ، باحِثًا عَنْ شَيءٍ يُمسِكُ بِه، أَيِّ شَيءٍ»". هَكذا الفيسبوك وأَنتَ عَلَى أَريكَتِكَ، أَو مَكتَبِكَ تَنسِجُ عالَمًا أنتَ عِمادُ التَّحَرُّكِ فيه، ولَكِنْ عِندَما تَبدَأً التَّعليقاتُ ورُدودُ الأَفعالِ ووَضعُ وَصْلاتٍ تَشَعُّبِيَّةٍ تُوصِلُكَ إلى مَراجِعَ في صورَةِ مَقالاتٍ أَو أَفلامٍ أَو كُتُبٍ تَرُدُّ على طُروحاتِكَ النَّظَريَّةِ أو السِّياسِيَّةِ؛ سَتَجِدُ نَفسَكَ في مَتاهَةٍ أَكَلَت وَقتَكَ، وجارَت عَلى مُفرَداتِ يَومِكَ: الغَثِّ مِنها والثَّمين.
في هذا الكتاب يعود العالِمُ المُختَصُّ في سلوك الحيوان، أو الرجل الذي تحدَّث إلى الحيوانات والطيور والأسماك في كتابه الأول "خاتم الملك سليمان"- إلى عالَمِه الأثير، عالَمِ الحيوانات المستأنَسة، وخصوصًا علاقة الإنسان بالكلب. هذه العلاقة التي تمتدُّ لأكثر من خمسة عشر ألف عام، حيث الكلب هو أوَّل حيوان مُستأنَس، وبين النوعين تاريخ طويل من التحوُّل والتطوُّر، من الصداقة العميقة، والمشاركة في الصيد والرَّعي والزراعة والجَرِّ والحمل والانتقال واللعب. للإنسان حيوانات كثيرة، وأصحاب كُثرٌ، لكن ليس للكلب سوى صديقٍ واحدٍ أو صاحب واحد، وفي هذا الكتاب يشرح لورنتس كيف كانت وكيف تكون هذه العلاقة، بداية من اختيار الكلب، وتدريبه، وفهم طباعه، وطريقة مُعامَلَتِه بناء على ما هو مطلوب من الكلب، هل هو كلبٌ لأداء مَهمَّة مُحدَّدة، كالصَّيد أو الرعي أو الخدمة في الشرطة والحروب، أم هو أنيسٌ للإنسان في وحدته وعُزلَته عن الآخرين. يرى لورنتس أن المَحبَّة التي يُقدِّمها الكلب للإنسان هي مَحبَّة غير مشروطة، مَحبَّة خالصة، دون خُطَّة، ودون مُقابلٍ، سوى اليد التي تُربِّت عليه وتمنحه الطعام، وعلى الإنسان أن يُقدِّم مَحبَّةً مُطابِقةً تمامًا لهذا الحب الخالص، يشكُّ كونراد في أننا نستطيع؛ فمهما فعلنا سيظلُّ الكلب هو الأوَّل في المَحبَّة، سيظلُّ أوفى صديقٍ للإنسان.
"وها هو يفاجئنا بهذا الكتاب القَيِّم، الذي يُذكِّرني في إخراجه وتبويبه بما كان يفعله الموسوعي الكبير د. "ثروت عكاشة" في بعض كتبه الخالدة، حيث يمتزج الفكر بالأدب والفن، في إطار تحليلٍ عِلميٍّ يدعو إلى الإعجاب". د. مصطفى الفقي "حسام بدراوي نسيج وحده، سواء في صياغة اسم كتابه، أو مضمونه" د. مراد وهبة "حقًّا، لقد ساهم الدكتور حسام بدراوي -بكتابه "أنا والميمات"- في حركة التنوير، وفهم الكثير من خفايا الحياة؛ ممَّا سيسهِّل الوصول للتَّوازُن والصِّحَّة النَّفسيَّة". د. أحمد عكاشة
إن موسوعيَّة لويس عوض مُذهِلة ونادرة المِثال بكل المقاييس؛ إذ لم يكن من سبيلٍ للمقاومة سوى هذه الموسوعيَّة التي تضرب في كلِّ اتجاه، وتتنقَّل بين حقول المعرفة، في سعيٍ طويل شاقٍّ لا يَكفُّ عن الحركة والكتابة والمساءلة، لِمَا يزيد على نصف قرنٍ. فهو المتمرِّد، صاحب العقل الجامح، الذي لا يأبه أبدًا لِمَا يطرحه من أسئلة أو يثيره من إشكالات، أو بالأحرى لِمَا يُفجِّره منها، وكثير من الأسئلة التي طرحها كانت تؤرِّق الوعي المحافِظ، وتستفزُّ العقول الجامدة. يتضمَّن المجلد الأوَّل جزأين؛ الأول يتناول الخلفية التاريخية والسياسية، وفيه عالج لويس عوض موضوعات عديدة، مثل: الانفجارات الثورية في مصر قبل الحملة الفرنسية، وبناء الدولة الحديثة، أمَّا الثاني فكان لدراسة الفكر السياسي والاجتماعي، من خلال تأريخ وتحليل فكر الشخصيات التالية: الجبرتي، الطهطاوي، والشِّدياق. ويتضمَّن المجلَّد الثاني جزأين؛ الأوَّل يعالج ملحمة قناة السويس، واغتصاب مصر بسحق الثورة العرابية، والاحتلال البريطاني، ونشأة الأرستقراطية والبرجوازية المصرية؛ أمَّا الثاني فيغطِّي نشأة الديمقراطية، والأحزاب في مصر، وصراع الصحافة والرقابة، وملحمة وادي النيل. بينما يتضمَّن المجلد الثالث تناوُلَه، بالنقد والتحليل، فِكرَ جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، وعبد الله النديم، ويعقوب صَنْوَع.
هذا الكتاب بقلم اقتصاديٍّ من العيار الثقيل، صياغته سهلة، دون استخدام مصطلحات اقتصادية صعبة الفهم على القارئ العادي. يستعرض المؤلِّفُ الأحوالَ الاقتصادية التي مرَّت بها البلاد خلال 4 مراحل: قبل ثورة 25 يناير، المرحلة الانتقالية التي أعقبتها، ثم فترة حكم الإخوان، وأخيرًا إبَّان الحكومة الانتقالية. بالرغم من تنوُّع واختلاف الأوضاع الاقتصادية والسياسية خلال تلك الحقبة، إلَّا أن الكاتب استطاع أن يرصد القواسم المشتركة، التي تتيح الاستفادة من تجارب الماضي لمجابهة الأزمة الاقتصادية الحالية. ويَخلُص الكاتب إلى أنه من الضروري التحوُّل من التنمية بالمشروعات إلى التنمية بإصلاح السياسات، والعمل على تحسين الإنتاجية، وترشيد الأولويات، وإنهاء التحيُّز للقطاع العقاري، مع التوزيع العادل لعوائد التنمية، وضمانًا للنجاح؛ يؤكِّد على أهمية أن يحظى المواطنون بفرص حقيقية في اختيار ومساءلة سياسيِّيهم. الكتاب مُساهمةٌ مهمَّة قد تتَّفق أو تختلف مع ما جاء فيه، لكن إذا بدأت في قراءته فلن تتركه قبل أن تصل إلى خاتمته. أ. د. محمد غنيم أستاذ جراحة المسالك البولية بمركز أمراض الكلي، بطب المنصورة قد تكون السباحة ضد التيار هي المجرى الآمِن للوطن في لحظات فارقة من تاريخه، إذا ما انقضت لا يمكن استرجاعها؛ لأنها تعطي نقاط ضوء تنير الطريق للحالمين بحاضر أفضل، ومستقبل أكثر ازدهارًا. في هذا الكتاب، يسعى مؤلِّفُه، الدكتور أحمد جلال، إلى الإبحار في الماضي القريب، لكن من المؤكَّد أن عينيه على ما هو آتٍ. هذا كتاب جدير بالقراءة للمهمومين بأحوال هذا الوطن. د. درية شرف الدين وزير الإعلام الأسبق وعضو مجلس النواب لا تُقاس التجارب السياسية بمدتها الزمنية، بل بجَسامَة أحداثها، وصعوبة قراراتها، وحجم المخاطر التي تنطوي عليها. هكذا كانت الأشهر التي قضاها الدكتور أحمد جلال وزيرًا لمالية مصر، من يوليو 2013 إلى فبراير 2014، وكان البلد في هذه الأثناء في حالة عنف واضطراب شديدين، وأوضاع اقتصادية تقترب من الانهيار. الكتاب يعكس رؤية الدكتور جلال لهذه الفترة الحرجة التي جمعتنا في ذات الوزارة، ويقدم تقريرًا وكشف حساب شخصيًّا وإنسانيًّا، ليس فقط عن هذه الفترة العصيبة، بل وما سبقها ومهَّد لها من أحداث سياسية واقتصادية، شارِحًا المقدِّمات والتداعيات، ومقترحًا مسارًا أفضل للمستقبل: مستقبل مصر الاقتصادي والسياسي. د. زياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء ووزير التعاون الدولي الأسبق
يتحدَّث عن قضية من أهم قضايا العمل النقابي والسياسي بمصر، وهي قضية التنظيم وما يتعلَّق منها بالنِّضال الفلَّاحي، ويسعى للتعريف بها على ضوء الأدبيات السياسية والخبرة العَمليَّة. ويتناول عددًا من القواعد والمبادئ الواجب مُراعاتها في تشكيل تلك التنظيمات (نقابية وسياسية)، والتي يَلزَم أن تتناسَب مع الأوضاع الاجتماعية والسياسية والثقافية في بلادنا، ويناقش كيفية تطبيق بعضٍ منها. كذلك يتعرَّض لمثالٍ عَمَليٍّ يتعلَّق بقرية كمشيش بالمنوفية، وكيف تمَّ تطبيق تلك القواعد في خمسينات القرن الماضي، وفي ثمانيناته بعد عودة قادتها إليها في أعقاب عملية نفي (حظر إقامة) بالمنوفية، جَرَت عام 1971، واستمرَّت 4 سنوات في محافظات الصعيد وغيرها. وأسهمت -مع عوامل أخرى- في انفراط عِقد هؤلاء القادة، وعرقَلَت نشاطهم، وأوقَفَت تَصاعُد كفاحهم الذي بدؤوه قبل نفيهم بربع قرن. كذلك يتناول دور هؤلاء القادة في كفاحهم السياسي، مُستَنِدين على ساقٍ واحدة هي النشاط الجماهيري، ومتجاهلين السَّاق الأخرى، وهي التنظيم؛ ممَّا ساهَم في تقليص عائد ذلك الكفاح، وأسهم -من زاويةٍ أخرى- في إضعاف قُدرَتِهم على حماية أبرز قادَتِهم: الشهيد صلاح حسين.
ماذا كان التنوير؟ وهل نعيش الآن نهاية عصر التنوير؟ يبدو للبعض وكأن هذا ما يحدث بالفعل، وخصوصًا عند النظر إلى ما يحدث حولنا من ازدياد الشعبوية السياسية، وتَصاعُد العنف الديني، وفُقدان الثقة في العِلم ووسائل الإعلام. تقودنا الفيلسوفة الألمانية الـمُعاصرة ماري- لويزه فريك، عبر أروِقَة التاريخ والتَّصوُّرات الـمُختلفة عن التفكير التنويري، وتوضِّح: إن التنوير ليس إرثًا ثقافيًّا نعرف دائمًا مسبقًا محتواه، بل هو في جَوهَرِه القُدرَةُ على التفكير بشجاعة واستقلالية، وهو ما يجب علينا أن نواصل القيام به، ونعيد اكتشافه واكتشاف أنفسنا معه دائمًا من جديد. أو بتعبير فريك: "يكمُن مستقبل الإنسانية بين اليأس والجرأة".
ما الذي يدهشنا في الذكاء؟ كيف يؤثر الذكاء على حياتنا اليومية؟ ولماذا نخاف أحياناً من الذكاء؟الذكاء البشري مورد حيوي، إلا أن دراسته يشوبها الإهمال والمفاهيم الخاطئة. يساعدنا كتاب "سيكولوچية الذكاء" على فهم المواقف والممارسات الاجتماعية المتناقضة فيما يتعلق بموضوع الذكاء والتي شهدناها على مر العقود، بدءًا من التصورات التي قادت إلى سياسات وإجراءات تحسين النسل في الماضي، وحتى رد فعلنا الحالي ضد "الخبراء" والتفكير النقدي. يوضح الكتاب كيف يؤثر نهجنا في التعامل مع الذكاء على حياتنا اليومية، في البيئات التعليمية والمهنية والطبية والقانونية، ويتساءل عما إذا كان من الممكن رفع المحاذير وتجاوز التحيزات المحيطة بالذكاء.
"بين أيدينا كتاب جديد للأستاذ الدكتور حسام بدراوي، هو في الواقع كتابه الثاني عشر في السياسة والثقافة والاجتماع، غير كتبه العلمية في تخصصه... ويضم مجموعة من المقالات والكتابات المتنوعة بعضها غير منشور من قبل والمكتوبة عبر سنوات عديدة كان فيها شاهدًا على عصور مختلفة ومشاركًا في أحداثها، وفي كل الأحوال مهمومًا بأثر ما يجري خلالها على البلد وعلى الناس. قراءة الكتاب وما يحتويه من تنوع لافت، تدفع القارئ للبحث عن القواسم المشتركة والثوابت في رحلة الدكتور حسام التي لم تتأثر بمرور الزمن ولا بطوفان الأحداث العاتية التي عاصرها وكان جزءًا منها" د. زياد بهاء الدين
أقدم هذا الكتاب بين يدي القارئ الكريم، راجيًا أن يكون مدخلًا لفتح أبواب حوار عقلاني ناقد لواقعنا الثقافي والاجتماعي، يُمكّن من كشف ما نعيشه من إشكاليات كامنة في ثلاثية الثقافة والتربية والأيديولوجية، وعلاقة هذه الثلاثية بالتنمية. آملًا أن نتمكن من خلال الحوار إلى مقاربة فكرية مستنيرة تتجاوز ما نعيشه من إشكاليات الواقع، وما تنطوي عليه تلك الإشكاليات من تناقضات تفرز أزمات تعوق تقدمنا، لتأسيس وضع قادم على مسار التقدم الحضاري.
لتكن البداية إطلالةً واسعة الزاوية على مآلات المشروعات السياسية الكبرى التي جُرِّبَت في الشرق الأوسط منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، وقد كان مشروع الدولة الوطنية الديمقراطية في مصر من أبرزها، وهو المشروع الذي كانت حركة الضباط الأحرار في يوليو 1952، محاوَلةً لتجديده. وكان المشروع القومي العربي بدوره واحدًا من تلك المشروعات الكبرى التي انطلقت في الإقليم في الحقبة نفسها، بزعامة الهاشميين. أمَّا ثالث هذه المشروعات فكان المشروعَ الصهيوني الذي انطلق مع وعد بلفور، وكان الرابع هو المشروع الإسلامي، الذي عُرِفَت مرحلته الأولى باسم الجامعة الإسلامية، وقد آلت إلى الفشل بصعود القوميين الأتراك إلى السُّلطة في الدولة العثمانية، ثم تجدَّد في مرحلته الثانية بتأسيس حركة الإخوان المسلمين. لن يكون مفاجئًا القول بأن جميع هذه المشروعات إمَّا تَقوَّضَت، وإمَّا تعثَّرَت بشدة، باستثناء المشروع الصهيوني، الذي يمضي من نجاح إلى نجاح، فما هو التفسير؟ أو ما هي التفسيرات؟
قد ظلَّت الجامعة وإنشاؤها حلما يراود النخبة الوطنية منذ بداية الوطنية المصرية منذ بداية القرن العشرين، و تبنت هذه النخبة فكرة إنشاء جامعة مصرية تقدم كل أنواع المعرفة لكل طبقات االمجتمع المصري، لكل أغنياءهم وفقراءهم، حتى يمكن تكوين جيل جديد من زوي المدارك الواسعة والفكر المستقل. يروي هذا الكتاب قصة جامعة القاهرة منذ كانت حلمًا يراود زعماء الوطن وبسطاءه، والتحديات التي واجهت الروَّاد الذين تصدُّوا لتحويل الحلم إلى حقيقة. ويلقي الضوء على عدة محطات تستحق أن تروى في تاريخ هذه الجامعة: أولها موقف الإحتلال البريطاني، ومحاربته للمشروع، وإصراره على إستمرار الكتاتيب بحجة أن مشروع الجامعة سابق لأوانه، ويعزي ذلك إلى خشيته من وجود طبقة مثقفة تطالب بالإستقلال. ولكن كان للشعب المصري وثققافته موقف آخر؛ واستمر في مساندة المشروع بالتبرع والإكتتاب حتى اكتمل المشروع، وافتتحت الجامعة رسميا في 21 ديسمبر 1908.
"الفكر الدينيُّ كغيره من فروع الفكر الإنساني العام، يُمكن أن يكون عامِلًا من عوامل النهوض والتَّقدُّم، أو التراجع، والتَّخلُّف. والدين في ذاته لا يتحمَّل المسؤولية، وإنما الفكر الديني، تلك الطريقة التي يَفهم بها أتباعُ الدين دينَهم، وهذا ما يجعل الفكر الديني في حاجةٍ ماسَّة إلى معالجة إصلاحية دقيقة. الكتاب محاولة لإعادة قراءة بعض المفاهيم والقضايا الإشكالية التي تُواجه العقل المُستقيل، هذا العقل الذي يتَّخذُ مواقفه وفق انحيازاتٍ عاطفية صاخبة، وليس وفق قناعات عقلانية يُؤسِّس لها تفكيرٌ نقدي هادئ، فعبر تاريخنا لم تتوقف المواقف الانفعالية عن إفراز أشرس تيَّارات الهدم، التي اختارت هدم اللحظة الحاضرة بكل ما تحمله من مُنجَزٍ حضاري؛ بُغية تطهير الحاضر بإعادته إلى الماضي وفق ما يتصوَّرون هُم أنَّه الفهم الصحيح للإسلام، والذي يتمايَزون به عن غيرهم من المسلمين. فكثيرة في تاريخ ثقافتنا العربية الإسلامية الأفكار التي أنتَجَتها عقولٌ بشرية، لكنها تحوَّلَت بفضل التكرار والترديد إلى عقائد لا يُمكن المساس بها، منها ما انكشف زيفه عندما اقتربنا منه، ومنها ما فشلنا في تقديم قراءة علمية تكشف السياقات التي أنتجته، فعاد الكثيرُ من مسائل الفكر الإسلامي إلى منطقة الظِّلِّ بعيدًا عن المراجعة المعرفية، فاسترداد الإنسان كي يبني حضارته مرهون باستكمال تلك المراجعات المعرفية وتعزيز الجانب العقلاني والإنساني في تجربتنا الإيمانية وسلوكنا العام... الكتاب محاولة للتفكير الحرِّ، بعيدًا عن الأجوبة التقليدية الجاهزة، في واقعٍ أصبح السؤال الذي لا يعرف خطوطًا حمراء هو الوسيلة للتفكير الإبداعي. "
إن أزمة التعليم في الدول المتقدمة تعني الانتقال إلى حضارة يصفها توفلر بحضارة الإبداع والابتكار، ويراها قدَرًا محتومًا عليهم، في حين أن أزمة التعليم لدينا هي أزمة تعليم تقليدي يرى قدره ومصيره في مزيد من النقل والتقليد، وهو تعليم لا يزال مسؤولًا عن إنتاج أجيال قليلة الخبرة والمهارة، تفتقد للرؤية والإحساس العميق بالزمن. ومن هنا فإن مسؤولية تطوير التعليم لدينا صارت من أخطر القضايا الآنية، حيث إن فلسفة التعليم وأهدافه في المرحلة القادمة عليها أن تراعي الاتجاهات الجديدة في التعليم ونظمه وأساليبه والتَّنوُّع في البرامج التعليمية والتدريسية والتدريبية، وإعادة النظر في أساليب التدريس والتقويم والأنشطة المدرسية، وتطوير المناهج في ضوء تكامل وحدة المعرفة، والاهتمام بالتخصصات الجديدة القادرة على تغيير النظرة إلى الحياة والطبيعة ومشكلاتها.
ليه 10000 لون وكل لون ليه صبغة وطعم مختلف فيه إللى هيسمع إسمه هيجىي في باله الرجل السياسي المحنك صاحب الآراء الواضحة والجريئة وفيه إللى هيفتكره على إنه مدير المدرسة الصارم في الجد والحنين في أغلب الأوقات. وفيه إللى هيجي في باله صورته الشهيرة وهو بيحمي المصلين في التحرير فيقول ياه ده كان راجل مفيش عنده تفرقة ولا عنصرية، وفيه إللى شافه في بيته وسط ولاده وزوجته فحيفتكر على طول حنيته وطيبة قلبه وحبه ليهم، وفيه إحنا مجموعة هو إللى شكلها بإختلاف دماغنا وثقافتنا ومعتقداتنا، مجموعة كانت متخيلة إن أكيد الدنيا كلها شبهنا، بس لما خرجنا للعالم الحقيقي لقينا لأ.. ربانا وفهمنا وكبرنا، وآمن بينا كبني آدمين لينا حق في الفهم وفي القرار.. قرب من كل واحد على حسب لونه وطريقته، وساعد في تشكيل رجال وسيدات تحكي وتتحاكى عن هو ورانا إيه وعيشنا وفهمنا إيه.
هذا الكتاب أول عملٍ متخصص عن المسرح الكنسي؛ لذا أراه مرجعًا مهمًّا لكل من يريد توثيق هذه الحركة المسرحية كجزءٍ لا يتجزَّأ من المسرح المصري العريق، والاضطلاع على رموزها وتحديات العروض المبكرة منذ أوائل خمسينيات القرن العشرين، وما تطور إليه المسرح الكنسي بعد أن انتظمت عروضه مهرجاناتٍ مكانية وأخرى شاملة، وكيف شارك بعد ذلك فى المهرجانات العامة داخل وخارج مصر، وحصل على جوائز قيِّمة، من خلال فِرق تُشرف عليها الكنيسة، أصبحت تضم في عضويتها فنانين غير مسيحيين أيضًا، مما يُعتَبَر تطورًا مهمًّا لنشاط المسرح الكنسي المصري. كذلك أُنشِئَت أكاديميات خاصة بالفن تابعة لعددٍ من الكنائس، وقدمت الكنيسة احتفالاتٍ وعروضًا غنائية ومسرحية على مسارح عددٍ من المحافظات في أعيادها القومي
عاد التاريخ الاستعماري لألمانيا في الآونة الأخيرة ليصبح موضوع نقاش ساخن. إذ يتعلق الأمر بأسماء الشوارع ذات الصلة بالاستعمار ومجموعات مقتنيات المتاحف ومسألة التراث الثقافي ككل. وينصبّ التركيز في هذا النقاش على المستعمرات السابقة في أفريقيا مثل تنزانيا وناميبيا الحالية. ومع ذلك، يجب توسيع المنظور من حيث الزمان والمكان. فالاستعمار الألماني لم يبدأ في عام 1884 مع مؤتمر برلين للكونغو فحسب، بل بدأ بالفعل في أوائل القرن السادس عشر مع الأنشطة التجارية في أمريكا اللاتينية. كما كان لمساعي التوسع الألماني نحو الشرق (بولندا) ونحو جنوب شرق أوروبا والإمبراطورية العثمانية بُعد استعماري أو إمبراطوري. كل هذا يطرحه مارك تيركيسيديس، الباحث الشهير في مجال الهجرة والعنصرية، في هذا الكتاب ويقترح إطارًا أوسع لتاريخ الاستعمار الألماني. فهو يرى أن هذه هي الطريقة الوحيدة لفم موقع ألمانيا في العالم وحركات الهجرة واللاجئين الحالية.