(1953-.....)مترجم ومُحرِّر مصري، تخرَّج في كلية الهندسة بجامعة القاهرة عام 1976. سافر إلى فرنسا حيث عمل هناك في باريس. عاد إلى مصر عام 2003 واتَّجه للعمل بالترجمة، فصدرت له العديد من الترجمات.أصدر له المركز القومي للترجمة 11 كتابًا، ترجم كتابين لجامعة 6 أكتوبر، ترجم كتابًا لمركز الدراسات العربية، ونشر له مركز المحروسة: "الغريب" لألبير كامو، و"الطاعون" لألبير كامو، "رحلة إلى آخر الليل" لفرديناند سيلين.
عَلَى كُلِّ حالٍ، كانَ مُواطِنونا قَد بَدَؤوا في تِلكَ الفَترَةِ تَقريبًا في الشُّعورِ بِالقَلَقِ؛ إِذْ أنَّه ابتداءً مِن الثَّامِنَ عَشَرَ من أَبريلَ راحت المصانِعُ والمخازِنُ تَلفُظُ مِئاتٍ مِن جُثَثِ الفِئرانِ. في بَعضِ الحالاتِ كُنَّا مُضطَرِّين إلى إِنهاءِ حَياةِ الحَيواناتِ الَّتي كانَت حالَةُ احتِضارِها بَطيئَةً بأكثَرَ مِمَّا يُحتَمَلُ. لَكِن ابتِداءً مِن الأحَياءِ الخارِجيَّةِ حَتَّى وَسَطِ المدينَةِ، في كُلِّ مَكانٍ كان دكتور ريو يَمُرُّ فيه، في كُلِّ مَكانٍ كانَ أَهلُ مَدينَتِنا يَتَجمَّعون فيه كانَت الفِئرانُ تَنتَشِرُ مُتكَدِّسَةً أَكوامًا، في صناديقِ القِمامَةِ أَو في صُفوفٍ طَويلَةٍ في المجاري، تَناوَلَت صُحُفُ المَساءِ المَسألَةَ مُنذُ ذاكَ اليَومِ وسَألَت إذا كانَت البَلَديَّةُ تَعتَزِمُ أَمْ لا فِعلَ شَيءٍ حيالَ ذَلِكَ، وما هِيَ الإِجراءاتُ الضَّروريَّةُ العاجِلَةُ الَّتي تَنوي اتِّخاذَها لِحمايَةِ رَعاياها مِن هَذا الغَزوِ البَغيضِ. لَمْ تَكُن البَلَديَّةُ قَد اعتَزَمَت شيئًا، ولَم تَكُن تَنوي أَو تَتوقَّعْ شَيئًا عَلى الإِطلاقِ، لَكِنَّ مَجلِسَها بَدَأَ في الاجتماعِ مِن أَجلِ التَّشاوُرِ. صَدَرَ الأَمرُ لإدارَةِ مُكافَحَةِ الجِرذانِ بِجَمعِ الجِرذانِ المَيِّتَّةِ كُلَّ صَباحٍ عِندَ الفَجرِ. عِندَما يَتِمُّ الجَمْعُ تَقومُ عَرَبَتان تابِعَتان للإِدارَةِ بِنَقلِ الحَيواناتِ المَيِّتَةِ إلى مَصنَعِ حَرقِ القِمامَةِ؛ لِحَرقِها.
اعتَدتُ، بَلْ وكُنتُ أَميلُ إلى هَذِه الملاحَظات المتعَمِّقَة والمدَقِّقَة. عِندما تَتَوقَّف مَثَلًا عند الطريقة التي تَتكوَّنُ وتَنطَلِقُ بها الكَلِماتُ لا تَصمدُ عِباراتُنا كثيرًا أمامَ كارِثَةِ إطارِها المطموسِ. إنَّ المجهودَ الميكانيكيَّ الَّذي نَبذُلُه في الحَديثِ أَكثَرَ تَعقيدًا ومَشَقَّةً من التَّبَرُّز. الفَمُ، تِلكَ الفَتحَةُ الأُنبوبيَّةُ من اللَّحمِ المتَوَرِّمِ، الَّتي تَتَشنَّجُ عِندَ الصَّفيرِ، يَشهَقُ، يُكابِدُ، ويُطلِقُ كُلَّ أنواعِ الأَصواتِ اللَّزِجَة عَبرَ هذا الحاجِزِ العَفِنِ من الأَسنانِ المنخورَةِ، أيُّ عِقابٍ هذا؟ ومَعَ هذا نَلتَزِمُ باتِّخاذِهِ مَثَلًا أَعلى. أَمرٌ صَعبٌ. وبِما أَنَّنا لَسنا سِوى أَسْيِجَةٍ تَحوطُ أحشاءً دافِئَةً لَم تَتَحلَّلْ جَيِّدًا فسوفَ نُواجِهُ دائِمًا صُعوباتٍ مع المشاعِرِ. أمْرٌ بَسيطٌ أنْ يَكونَ المرءُ عاشِقًا، الصَّعبُ هو البَقاءُ مَعًا. إنَّ القَذارَةَ لا تَسعى إلى البَقاءِ ولا إلى التَّكاثُرِ. هُنا، حَولَ هَذِهِ النُّقطَةِ، نَحنُ أَتعَسُ مِنَ الغائِطِ، هذا السُّعارُ الَّذي يَجِبُ أنْ نُحافِظَ عَلَيه في حالَتِنا يُمثِّلُ عَذابًا يَفوقُ الخَيالَ.
رُبَّما لم أَكُن واثِقًا مِمَّا يَهمُّني حَقيقَةً، ولَكِنَّني على تَمامِ الثِّقَةِ مِمَّا لا يَهمُّني، وإِنَّ ما تُحَدِّثُني عَنه -هو بالتَّحديدِ- مِمَّا لا يَهُمُّني. حين لَم يَدَعْ الحُزنَ بَعدَ وَفاةِ والِدَتِه صَدَمَ الجميع، وحينَ ارتَكَبَ جَريمَتَهُ العَشوائِيَّةَ تِلكَ في الجَزائِرِ العاصِمَةِ ذُهِلَ المجتَمَعُ أيضًا؛ لماذا يُقْدِمُ شابٌّ جَامِعِيٌّ مُلتَزِمٌ عَلى مِثلِ هَذا الفِعْلِ؟ ولِماذا لا يُبدِي نَدَمًا حَتَّى يَنجُوَ بِحَياتِه؟ رَفْضُه مَشاعِرَ الآخَرين يَزيدُ مِن ذَنبِهِ في نَظَرِ القانونِ. يَكتَشِفُ سَريعًا أَنَّه لا يُحاكَمُ بِسَبَبِ جَريمَتِه فَقَط، بَل بِسَبَبِ افتِقارِهِ إلى العاطِفَةِ؛ فَرُدودُ أَفعالِهِ تُدينُهُ لِكَونِهِ "غَريبًا". "لَقَد لَخَّصَت «الغريب» مُنذُ زَمَنٍ طَويلٍ في عِبارَةٍ أَعتَرِفُ بِأنَّها مُتَناقِضَةٌ للغايَة: «في مُجتَمَعِنا هَذا أَيُّ رَجُلٍ لا يَبكي في جِنازَةِ والِدَتِه يُخاطِرُ بِتَلَقِّي حُكمِ الإِعدامِ»، وكُنتُ أَعني فَقَط أَنَّ بَطَلَ كِتابي مُدانٌ بالفِعلِ لأَنَّه لا يَلعَبُ اللُّعبَة". ألبير كامو "حَقيقَةً، إنَّ كامو يُبلِغُ هَذِهِ الرِّسالَةَ في شَكلِ روايَةٍ بالتَّحديدِ، تَكشِفُ عَن كبرياءٍ مُهانَةٍ... هَذا لَيسَ استِسلامًا، بَل إدراكٌ ثَوريٌّ لِحُدودِ الفِكرِ الإنسانيِّ". چان بول سارتر
هل هناك بلد في عالمنا المعاصر لم يدخله الفكر الماركسي ويساهم في تشكيل حراكه الاجتماعي والسياسي والثقافي؟ يقدم أنور مغيث في إطار هذا العمل دراسة للفكر الماركسي في شكله الإيجابي، أي دراسة الأفق الفكري للحركة السياسية الماركسية، ودراسة ترجمات النصوص الماركسية والمؤلفات التي تتناول التخصصات العلمية التي كانت مرجعيَّتها الماركسية غالبة وواضحة، وقد جعل مصر الإطار الجغرافي لتلك الدراسة باعتبارها قد حظيت بتاريخ خاص، سواء في الأزمنة القديمة أو في العصور الوسطى أو في عصرنا الحالي، ولها جغرافيتها البشرية الخاصة، انبثق عن هذه الخصوصية المصرية تلقٌ خاص للماركسية تعمل الدراسة على كشف حدود تجربته وأبجدياته لتقف بنا على تصور شامل لذلك اللقاء الذي جمع الحركة الماركسية بالخصوصية المصرية انطلاقًا إلى دوائر أوسع تشمل لقاء الحالة العربية مع الفكر الغربي خلال محاولات التحديث.